المادة    
وأما تقسيم الأعمال بحسب جواز الإهداء من عدمه، فنقول فيه:
  1. حصول مطلق الانتفاع للموتى بما يعمله الآخرون وأدلته

    إذا علم ذلك فإنا نقول: وردت نصوص شرعية تدل على أن الإنسان قد ينتفع بعمل غيره، وهي -كما سبق- على نوعين: نصوص تدل على الانتفاع بأثر العمل ونصوص تدل على الانتفاع بنفس عمل الآخرين، وهي في الانتفاع على نوعين: الانتفاع المطلق والانتفاع الخاص بإسقاط الحقوق.
    أما الانتفاع المطلق فأدلته كثيرة ويمكن أن نستخرج قاعدة على ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلامه لـسعد بن عبادة بشأن أمه، وللمرأة الجهنية بشأن أبيها.
    أما حديث سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه ففيه أنه: ( توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله! إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها )، فانظر إلى الصحابة كيف كان يهمهم بر الوالدين إلى هذا الحد؟!
    فهذا دليل على عموم حصول الانتفاع، وهذا حقيقته أن الميت ينزل منزلة الحي، كما لو أن أم سعد رضي الله تعالى عنه وعنها كانت على قيد الحياة وتصدقت أو أنفقت ما في هذا البستان.
    إن النفع في العمل في حالة الدعاء يكون الداعي غير الميت، لكن في حالة الصدقة ينتفع الإنسان بعمل غيره بأن يقوم مقامه، فيصبح الميت كأنه هو الذي حج، وكأنه هو الذي اعتمر، وكأنه هو الذي تصدق؛ لأن نفس العمل انتقل إلى الميت، فلو أن رجلاً اعتمر -مثلاً- عن أحد والديه فإن هذه العمرة تأتي يوم القيامة في ميزان المهدى إليه، أما الدعاء فالذي يصل إلى الميت منه هو أثره وشفاعته وثوابه، ولا يتعارض هذا مع ما قد تقدم.
  2. أعمال لا يجوز أن تهدى أو تقبل إلا من فاعلها

    أولاً: هنالك أعمال لا يجوز أن تهدى، ولا تقبل إلا من الفاعل؛ فلا يهدى ثوابها ولا أجرها؛ لأنها مما لا تدخله النيابة، والأعمال التي لا تدخل فيها النيابة لا تصح شرعاً إلا من الفاعل المخاطب المكلف، مثل الصلاة والتوحيد والإيمان، فإذا مات رجل على الشرك فهل يصح أن يقول أحد أبنائه -مثلاً-: أنا أؤمن نيابة عنه وأوحد الله نيابة عنه؟! فهذا لا يصح ولا يقبل ولا يفعله عاقل، وإنما هذا مما هو متعين على العبد. وكذلك الصلاة، والصلاة من الإيمان؛ لأن من تركها كفر، فلو ترك الصلاة أيجوز لأحد أن يصلي عنه؟! إذاً: هناك أعمال لا تدخلها النيابة، ولا تصح ولا تقبل إلا من المكلف نفسه، مثل التوحيد ومثل الصلاة ومثل التوبة، فهذه لا بد من أن تكون من العبد المكلف نفسه، وهذا القسم الأول.
  3. أعمال يمكن فيها النيابة

    والقسم الثاني: ما يمكن أن تجوز فيه النيابة.
    وهذا فيه تفصيل؛ لأن الأعمال من جهة فعل العبد لها إما أن تكون بدنية، وإما أن تكون مالية، وإما أن تكون مركبة منهما، فالأعمال البدنية المحضة مثل الصوم، وكذلك القراءة، بغض النظر عن كون الخلاف قوياً في القراءة، لكن المهم أن القراءة هي عمل يعمله الإنسان بجوارحه، وليس فيه مال.
    وأما الأعمال المالية المحضة فهي مثل الصدقة عموماً، وقضاء الدين عن الميت، والوفاء بنذره إذا كان مالاً ونحو ذلك، والمركب منهما مثل الحج، فالحج مركب من هذا ومن ذاك.
    أما العبادات المالية المحضة فقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الإجماع على جواز الإهداء فيها، فإذا أردت أن تتصدق عن أمك أو عن أبيك أو عن أي مسلم أو تقضي عنه الدين؛ جاز لك ذلك، فهذه قاعدة عامة في العبادات المالية البحتة، حتى ولو كنت لا تعرف الميت وأردت أن تتصدق عنه بقليل أو بكثير، فإن ذلك ينفعه إن شاء الله، ولك الأجر، فهذه المسألة لا نقاش فيها.
    وأما الأعمال المركبة -كالحج والعمرة- ففيها خلاف، والراجح في الأعمال المركبة هو الجواز.
    وأما الأعمال البدنية المحضة فهي التي تنازع فيها العلماء.